ووجهوا معنى الكلام إلى "اذهبا إلى فرعون إنه طغى" فادعواه وعظاه ليتذكر أو يخشى ، كما يقول القائل: اعمل عملك لعلك تأخذ أجرك ، بمعنى: لتأخذ أجرك ، وافرغ من عملك لعلنا نتغذى، بمعنى: لنتغدى، أو حتى نتغدى، ولكلا هذين القولين وجه حسن ، ومذهب صحيح. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: "ثم جئت على قدر" قال: لميقات. وقولا له: آأنت سويت وسطها منيراً إذا ما جنه الليل هاديا. وقال آخرون: معنى لعل ههنا كي. فقولا له قولاً ليناً "، يقول: دارياه وارفقا معه، قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا تعنفا في قولكما. تفسير ابن كثير للآية.
- اني لا اقول الا حقا
- لاحول ولا قوه الا بالله
- فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى
اني لا اقول الا حقا
الرابعة: قوله تعالى: " لعله يتذكر أو يخشى " معناه: على رجائكما وطمعكما، فالتوقع فيها إنما هو راجع إلى جهة البشر، قاله كبراء النحويين: سيبويه وغيره. فسماه بهذا الاسم لأنه أحب إليه مما سواه مما قيل له، كما يسمى عندنا الملك ونحوه. الثانية: في قوله تعالى: " فقولا له قولا لينا " دليل على جواز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن ذلك يكون باللين من القول لمن معه القوة، وضمنت له العصمة، ألا تراه قال: " فقولا له قولا لينا ". قيل: معناه اذهبا على رجاء منكما وطمع، وقضاء الله وراء أمركما. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والخطيب عن ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما قتل موسى الذي قتل من آل فرعون خطأ يقول الله سبحانه: "وقتلت نفساً فنجيناك من الغم" قال: من قتل النفس "وفتناك فتوناً" قال: أخلصناك إخلاصاً". وقال ابن مسعود: القول اللين قوله تعالى: " فقل هل لك إلى أن تزكى * وأهديك إلى ربك فتخشى " [النازعات: 18 -19] وقد قيل إن القول اللين قول موسى: يا فرعون إنا رسولا ربك رب العالمين. وطمعكما أنه يثمر ولا يخيب سعيكما ، فإن الراجي مجتهد والآيس متكلف ، والفائدة في إرسالهما والمبالغة عليهما في الاجتهاد مع علمه بأنه لا يؤمن إلزام الحجة وقطع المعذرة وإظهار ما حده في تضاعيف ذلك من الآيات والتذكر للتحقق والخشية للمتوهم ، ولذلك قدم الأول أي إن لم يتحقق صدقكما ولم يتذكر فلا أقل من أن يتوهمه فيخشى. وقولا له: من ينبت الحب في الثرى فيصبح منه البقل يهتز رابيا. وقد يجوز ذلك وإن لم يطمع بإسلامه، لأن الطمع ليس بحقيقة توجب عملاً. وقرأ رجل عند يحيى بن معاذ هذه الآية: " فقولا له قولاً ليناً " فبكي يحيى، وقال: إلهي هذا رفقك بمن يقول أنا الإله، فكيف رفقك بمن يقول أنت الإله؟!.
لاحول ولا قوه الا بالله
وقوله: "اذهبا إلى فرعون إنه طغى" أي تمرد وعتا وتجبر على الله وعصاه "فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى" هذه الاية فيها عبرة عظيمة, وهو أن فرعون في غاية العتو والاستكبار وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك, ومع هذا أمر أن لا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين, كما قال يزيد الرقاشي عند قوله: "فقولا له قولاً ليناً", يا من يتحبب إلى من يعاديه فكيف بمن يتولاه ويناديه ؟. وقيل: أمر باللطافة في القول لما له من حق التربية. وقيل: إن لعل وعسى في جميع القرآن لما قد وقع. وقيل كنياه وكان له ثلاث كنى: أبو العباس وأبو الوليد وأبو مرة. 44ـ " فقولا له قولاً ليناً " مثل " هل لك إلى أن تزكى * وأهديك إلى ربك فتخشى " فإنه دعوة في صورة عرض ومشورة حذراً أن تحمله الحماقة على أن يسطو عليكما ، أو احتراماً لما له من حق التربية عليك. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس قال: كنياه. على ما تقدم في ((البقرة)) بيانه والحمد لله. 44 - But speak to him mildly; perchance he may take Warning or fear (God). وقوله: "واصطنعتك لنفسي" أي اصطفيتك واجتبيتك رسولاً لنفسي أي كما أريد وأشاء. وقولا له: آأنت رفعت هذه بلا عمد أرفق إذن بك بانيا.
فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى
وقيل: أبو مرة، فعلى هذا القول تكنية الكافر جائزة إذا كان وجيهاً ذا شرف وطمع بإسلامه. ولكن لم ينفعه ذلك، قاله أبو بكر الوراق وغيره. وأخرج ابن أبي حاتم عن علي في قوله: "قولاً ليناً" قال: كنه. المصدر: فريق عمل طريق الإسلام. وقيل قال له موسى: تؤمن بما جئت به، وتعبد رب العالمين، على أن لك شباباً لا يهرم إلى الموت، وملكاً لا ينزع منك إلى الموت، وينسأ في أجلك أربعمائة سنة، فإذا مت دخلت الجنة. وقوله "لعله يتذكر أو يخشى" اختلف في معنى قوله "لعله" في هذا الموضع ، فقال بعضهم معناها ههنا الاستفهام ، كأنهم وجهوا معنى الكلام إلى: فقولا له قولا ليناً، فانظرا هل يتذكر ويراجع أو يخشى الله ، فيرتدع عن طغيانه. وقد أخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: "فاقذفيه في اليم" قال: هو النيل. وقال البخاري عند تفسيرها: حدثنا الصلت بن محمد, حدثنا مهدي بن ميمون, حدثنا محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "التقى آدم وموسى فقال موسى: أنت الذي أشقيت الناس وأخرجتهم من الجنة, فقال آدم: وأنت الذي اصطفاك الله برسالته واصطفاك لنفسه وأنزل عليك التوراة ؟ قال: نعم, قال فوجدته مكتوباً علي قبل أن يخلقني, قال: نعم فحج آدم موسى" أخرجاه.
ثم أمرهما سبحانه بإلانة القول له لما في ذلك من التأثير في الإجابة، فإن التخشين بادئ بدء يكون من أعظم أسباب النفور والتصلب في الكفر، والقول اللين هو الذي لا خشونة فيه، يقال: لا الشيء يلين ليناً، والمراد تركهما للتعنيف كقولهما "هل لك إلى أن تزكى" وقيل القول اللين هو الكنية له، وقيل أن يعداه بنعيم الدنيا إن أجاب، ثم علل الأمر بإلانة القول له بقوله: 44- "لعله يتذكر أو يخشى" أن باشرا ذلك مباشرة من يرجو ويطمع، فالرجاء راجع إليهما كما قاله جماعة من النحويين: سيبويه وغيره. وقال السدي: القول اللين: أن موسى أتاه ووعده على قبول الإيمان شباباً لا يهرم، وملكاً لا ينزع منه إلا بالموت، وتبقى عليه لذة المطعم والمشرب والمنكح إلى حين موته، وإذا مات دخل الجنة، فأعجبه ذلك وكان لا يقطع أمراً دون هامان، وكان غائباً فلما قدم أخبره بالذي دعاه إليه موسى، وقال أردت أن أقبل منه، فقال له هامان: كنت أرى أن لك عقلاً ورأياً، أنت رب، تريد أن تكون مربوباً؟ وأنت تعبد تريد أن تعبد. والتذكر: النظر فيما بلغاه من الذكر وإمعان الفكر فيه حتى يكون ذلك سبباً في الإجابة، والخشية هي خشية عقاب الله الموعود به على لسانهما، وكلمة أو لمنع الخلو دون الجمع. وقال: " لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى " فكيف بنا فنحن أولى بذلك. وقيل عداه شباباً لا يهرم بعده وملكاً لايزول إلا بالموت. " فجرى له ما قص الله علينا من ذلك، وكان ذلك تسلية لمن جاء بعده من المؤمنين في سيرتهم مع الظالمين، وربك أعلم بالمهتدين. وروي في الإسرائيليات أن موسى عليه السلام قام على باب فرعون سنة، لا يجد رسولاً يبلغ كلاماً حتى خرج. وقال وهب بن منبه: قولا له إني إلى العفو والمغفرة أقرب مني إلى الغضب والعقوبة.