قيل: في هذه السنة عزل عثمان أبا موسى الأشعري عن البصرة واستعمل عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس وهو ابن خال عثمان وقيل: كان ذلك لثلاث سنين. وفي هذه السنة مات عبد الرحمن بن كعب الأنصاري وهو بدري وهو أحد البكائين في غزوة تبوك وسراقة بن مالك بن جعشم المدلجي وقيل: مات بعد ذلك وهو الذي أدرك النبي صلى الله عليه. في هذه السنة عزل عمرو بن العاص عن خراج مصر واستعمل عليه عبد الله بن سعد بن أبي سرح وكان أخا عثمان من الرضاعة فتباغيا فكتب عبد الله إلى عثمان يقول: إن عمرًا كسر على الخراج. فقال سعد عند ذلك: أما والله لولا اتقاء الله لدعوت عليك دعوة لا تخطئك. ففعل ذلك فصار جرجير يخاف أشد من عبد الله. فلما قدم قال له سعد: أكست بعدنا أم حمقنا بعدك فقال: لا تجزعن يا أبا إسحق كل ذلك لم يكن وإنما هو الملك يتغداه قوم ويتعشاه آخرون. عبيس بضم العين المهملة وفتح الباء الموحدة ثم الياء المثناة من تحتها وآخره سين مهملة. فتح مكة وعفو النبي عنه. فسار إليهم من القسطنطينية جيش كثير وعليهم منويل الخصي فأرسوا بها واتفق معهم من بها من الروم ولم يوافقهم المقوقس بل ثبت على صلحه. في هذه السنة سير عمرو بن العاص عبد الله بن سعد بن أبي سرح إلى أطراف إفريقية غازيًا بأمر عثمان وكان عبد الله من جند مصر فلما سار إليها أمده عمرو بالجنود فغنم هو وجنده فلما عاد عبد الله إلى عثمان يستأذنه في غزو إفريقية فأذن له في ذلك. إليهم دعاة أهل العراق واستثاروهم فشقوا العصا وفرقوا بينهم إلى اليوم وكانوا يقولون: لا نخالف الأئمة بما تجني العمال. وقال آخرون: قد كنا نهدى لنستثيب.
عبد الله بن سعد بن أبي السرح
ثم بيتهم فقتل من وقف له ثم أتى السرادق فوجد امرأته قد سبقته إليه فكانت أول امرأة من العرب ضرب عليها حجاب سرادق. فضرب القوم بسوطه فتركوا دابته فمضى. كان هرقل ملك القسطنطينية يؤدي إليه كل ملك من ملوك النصارى الخراج فهم من مصر وإفريقية والأندلس وغير ذلك فلما صالح أهل إفريقية عبد الله بنى سعد أرسل هرقل إلى أهلها بطريقًا له وأمره أن يأخذ منهم مثل ما أخذ المسلمون فنزل البطريق في قرطاجنة وجمع أهل إفريقية وأخبرهم بما أمره الملك فأبوا عليه وقالوا: نحن نؤدي ما كان يؤخذ منا وقد كان ينبغي له أن يسامحنا لما ناله المسلمون منا. وفي خلافة عمر توفي الحباب بن المنذر بن الجموح الأنصاري وهو بدري وربيعة بن الحرث بن عبد المطلب وهو أسن من العباس وعمير بن عوف مولى سهيل بن عمرو وهو بدري وعمير بن وهب بن خلف الجمحي شهد أحدًا وعتبة بن معسود أخو عبد الله بن مسعود وهو من مهاجرة الحبشة شهد أحدًا وعدي بن أبي الزغباء الجهني وهو عين رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم بدر وشهد غيرها أيضًا. لما استعمل عثمان الوليد على الكوفة عزل عتبة بن فرقد على أذربيجان فنقضوا فغزاهم الوليد سنة خمس وعشرين وعلى مقدمته عبد الله بن شبيل الأحمسي فأغار على أهل موقان والببر والطيلسان ففتح وغنم وسبى فطلب أهل كور أذربيجان الصلح فصالحهم على صلح. يسيرا إلى الأندلس فأتياها من قبل البحر وكتب عثمان إلى من انتدب معهما: أما بعد فإن القسطنطينية إنما تفتح من قبل الأندلس. فلما بلغه خبر المسلمين تجهز وجمع العساكر وأهل البلاد فبلغ عسكره مائة ألف وعشرين ألف فارس والتقى هو والمسلمون بمكان بينه وبين مدينة سبيطلة يوم وليلة وهذه المدينة كانت ذلك الوقت دار الملك فأقاموا هناك يقتتلون كل يوم وراسله عبد الله بن سعد يدعوه إلى الإسلام أو الجزية فامتنع منهما وتكبر عن قبول أحدهما. فلما رجعوا أتاهم كل موتور فاجتمعوا معهم على رأيهم ودخل أبو زينب وأبو مورع وغيرهما على الوليد فتحدثوا عنده فنام فأخذا خاتمه وسارا إلى المدينة واستيقظ الوليد فلم ير خاتمه فسأل نساءه عن ذلك فأخبرنه أن آخر من بقي عنده رجلان صفتهما كذا وكذا. ومات عنها حبيب فخلف عليها الضحاك بن قيس فهي أم ولده. وكتب عمرو يقول: إن عبد الله قد كسر على مكيدة الحرب. وفيها مات أبو ذؤيب الهذلي الشاعر بمصر منصرفًا من إفريقية وقيل: بل مات بطريق مكة في البادية وقيل: مات ببلاد الروم وكلهم قالوا: مات في خلافة عثمان. فقالوا له: أصبت لا تطمعهم فيما ليسوا له بأهل فإنه إذا نهض في الأمور من ليس بأهل لها لم يحتملها وأفسدها. وقال له ابن مسعود: ما أدري أصلحت بعدنا أم فسد الناس! وبعد استشهاد عثمان اعتزل عبد الله السياسة ونجا بنفسه من الفتنة، وخرج إلى عسقلان فظل فيها عابداً حتى توفي بها سنة 37هـ.
عبد الله بن أبي قحافة
كان العمال فيها على مكة نافع بن عبد الحرث الخزاعي وعلى الطائف سفيان بن عبد الله الثقفي وعلى صنعاء يعلى بن منية وعلى الجند عبد الله بن أبي ربيعة وعلى الكوفة المغيرة بن شعبة وعلى البصرة أبو موسى الأشعري وعلى مصر عمرو بن العاص وعلى حمص عمير بن. وكريز بن ربيعة بضم الكاف وفتح الراء. ففعل فرجع إلى خراسان فلما قتل عثمان وجاش العدو قال ابن خازم لقيس: الرأي أن تخلفني وتمضي حتى تنظر فيما ينظرون فيه ففعل فأخرج ابن خازم بعده عهدًا بخلافته وثبت على خراسان إلى أن قام علي بن أبي طالب وغضب قيس من صنيع ابن خازم. فلما أذن بالظهر هم الروم بالانصراف على العادة فلم يمكنهم ابن الزبير وألح عليهم بالقتال حتى أتعبهم ثم عاد عنهم هو والمسلمون فكل من الطائفتين ألقى سلاحه ووقع تعبًا فعند ذلك أخذ عبد الله بن الزبير من كان مستريحًا من شجعان المسلمين وقصد الروم فلم يشعروا بهم حتى خالطوهم وحملوا حملة رجل واحد وكبروا فلم يتمكن الروم من لبس سلاحهم حتى غشيهم المسلمون وقتل جرجير قتله ابن الزبير وانهزم الروم وقتل منهم مقتلة عظيمة وأخذت ابنة الملك جرجير سبية. وسار إلى تفليس فصالحه أهلها وهي من جرزان وفتح عدة حصون ومدن تجاورها صلحًا. ومات عاصم بن عمرو بكرمان.
عبد العزيز بن عبد الله
فعاتبه الوليد على قوله حتى تغاضبا. شارك عبد الله في الفتوح بعد انتقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى جورار ربه، وولاه عثمان بن عفان بزمن خلافته إمارة الصعيد، ثم ولي مصر بعدها في سنة 27هـ، وفي مدة ولايته فتح فتوحاً عظيمة في بلاد النوبة والسودان سنة 31 من الهجرة، وعقد عهداً بينه وبين ملك النوبة بأن يؤمَّن التجار ويحافَظ على المسجد الذي بناه المسلمون في دنقلة. فقال عثمان: هذا رأي رأيته. وفيها تزوج عثمان نائلة بنت الفرافصة وكانت نصرانيةً فأسلمت قبل أن يدخل بها. وبالله لمسلم أحب إلي مما حوت الروم. فلما وصلوا إلى برقة لقيهم عقبة بن نافع فيمن معه من المسلمين وكانوا بها وساروا إلى طرابلس الغرب فنهبوا من عندها من الروم. في المحرم منها لثلاث مضين منه بويع عثمان بن عفان وقيل غير ذلك على ما تقدم وكان هذا العام يسمى عام الرعاف لكثرته فيه بالناس. ثم إن عبد الله بن سعد لما ولي أرسل إلى عثمان في غزو إفريقية والاستكثار من الجموع عليها وفتحها فاستشار عثمان من عنده من الصحابة فأشار أكثرهم بذلك فجهز إليه العساكر من المدينة وفيهم جماعة من أعيان الصحابة منهم عبد الله بن عباس وغيره فسار بهم عبد الله بن سعد إلى أفريقية.
سعد بن أبي السرح
وفيها توفي واقد بن عبد الله التميمي حليف الخطاب وهو أول من قاتل في سبيل الله في الإسلام وقتل عمرو بن الحضرمي وكان إسلامه قبل دول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ دار الأرقم. فصاحوا بعثمان فأمر بهم فحبسوا وقال لهم! فلما قرأه كتب إلى معاوية: والذي بعث محمدًان ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالحق لا أحمل فيه مسلمًا أبدًا وقد بلغني أن بحر الشام يشرف على أطول شيء من الأرض فيستأذن الله في كل يوم وليلة في أني يغرق الأرض فكيف أحمل الجنود على هذا الكافر! وفيها أرسل عثمان عبد الله بن عامر إلى كابل وهي عمالة سجستان فبلغها في قولٍ فكانت أعظم من خراسان حتى مات معاوية وامتنع أهلها. فكتب عمر إلى عمرو بن العاص: صف لي البحر وراكبه. فقال عبد الرحمن: في هذا عذر أما قولك: اتخذت بها أهلًا فإن زوجك بالمدينة تخرج بها إذا شئت وإنما تسكن بسكناك وأما مالك بالطائف فبينك وبينه مسيرة ثلاث ليال وأما قولك عن حاج اليمن وغيرهم فقد كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينزل عليه الوحي والإسلام قليل ثم أبو بكر وعمر فصلوا ركعتين وقد ضرب الإسلام بجرانه. وبلغ الخير عثمان فغضب عليهما فعزل سعد وأقر عبد الله واستعمل الوليد بن عقبة بن أبي معيط مكان سعد وكان على عرب الجزيرة عاملًا لعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان بعده فقدم الكوفة واليًا عليها وأقام عليها خمس سنين وهو من أحب الناس إلى أهلها. فخرج عبد الرحمن فلقي ابن مسعود فقال: أبا محمد غير ما تعلم. فلما كان زمن عثمان كتب إليه معاوية يستأذنه في غزو البحر مرارًا فأجابه عثمان بأخرة إلى ذلك وقال له: لا تنتخب الناس ولا تقرع بينهم خيرهم فمن اختار الغزو طائعًا فاحمله وأعنه. وفيها زاد عثمان في المسجد الحرام ووسعه وابتاع من قوم فأبى آخرون فهدم عليهم ووضع الأثمان في بيت المال. وبلغ الخبر عبد الرحمن بن عوف وكان معه فجاءه وقال له: ألم تصل في هذا المكان مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبي بكر وعمر ركعتين وصليتها أنت ركعتين قال: بلى ولكني أخبرت أن بعض من حج من اليمن وجفاة الناس قالوا: إن الصلاة للمقيم ركعتان واحتجوا بصلاتي وقد اتخذت بمكة أهلًا ولي بالطائف مال. فقال: من تحبون فقال غيلان ابن خرشة: في كل أحد عوض من هذا العبد الذي قد أكل أرضنا! وفيها فتح معاوية عسقلان على صلح وكان على قضاء الكوفة شريح وعلى قضاء البصرة كعب بن سور وقيل: إن أبا بكر وعمر لم يكن لهما قاض.
قال جبير بن نفير: ولما فتحت قبرس ونهب منها السبي نظرت إلى أبي الدرداء يبكي فقلت: ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله وأذل فيه الكفر وأهله قال: فضرب منكبي بيده وقال: ثكلتك أمك يا جبير ما أهون الخلق على الله إذا تركوا أمره بينما هي أمة ظاهرة قاهرة للناس لهم الملك إذا تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى فسلط عليهم السباء وإذا سلط السباء على قوم فليس له فيهم حاجة. لما افتتحت إفريقية أمر عثمان عبد الله بن نافع بن الحصين وعبد الله بن نافع ابن عبد القيس أن. ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذه السنة زاد عثمان في مسجد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ربيع الأول وكان ينقل الجص من بطن نخل وبناه بالحجارة المنقوشة وجعل عمده من حجارة فيها رصاص وسقفه ساجًا وجعل طوله ستين ومائة ذراع وعرضه خمسين ومائة ذراع وجعل أبوابه على ما كانت أيام عمر ستة أبواب. ثم لم يزل أهل إفريقية من أطوع أهل البلدان وأسمعهم إلى زمان هشام بن عبد الملك حتى دب. حديج بضم الحاء وفتح الدال المهملتين وآخره جيم. فقام الوليد في الناس وأعلمهم الحال وندبهم مع سلمان بن ربيعة الباهلي فانتدب معه ثمانةي آلاف فمضوا حتى دخلوا مع أهل الشام إلى أرض الروم فشنوا الغارات على أرض الروم فأصاب الناس ما شاؤوا وافتتحوا حصونًا كثيرة. وهدم عمرو سور الإسكندرية وتركها بغير سور. ففرحوا وفتح الله لهم أمرًا لم يكن في حسابهم وفعلوا ذلك واشتراه رجال من كل قبيلة وجاز لهم عن تراضٍ منهم ومن الناس وإقرار بالحقوق. فلما بلغ الخبر إلى عمرو بن العاص سارى إليهم وسار الروم إليه فالتقوا واقتتلوا قتالًا شديدًا فانهزم الروم وتبعهم المسلمون إلى أن أدخلوهم الإسكندرية وقتلوا منهم في البلد مقتلةً عظيمة منهم منويل الخصي. وفيها ماتت حفصة بنت عمر ابن الخطاب زوج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقيل: ماتت سنة إحدى وأربعين وقيل: سنة. فقال ابن مسعود: ويلك قل خيرًا ولا تلعن.
وقيل لتلك المرأة بعد: بأي شيء عرفته قالت: كان كالتاجر فلما سألته أعطاني كالملك فعرفته بهذا. وفيها مات عويم بن ساعدة الأنصاري وهو عقبيٌّ بدري وقيل: إنه من بلي وله حلف في الأنصار. وحج بالنس في هذه السنة عثمان وقيل: عبد الرحمن بن عوف بأمر عثمان. وجاء عمر بنات سفيان بن عويف ومعهن أمهن فقالت أمهن: هلك رجالنا وإذا هلك الرجال ضاع النساء فضعهن في أكفائهن. وظهر بهذا أنه أعطى عبد الله خمس الغزوة الأولى وأعطى مروان خمس الغزوة الثانية التي افتتحت فيها جميع إفريقية والله أعلم. وفيها غزا معاوية الصائفة حتى بلغ عمودية ومعه عبادة بن الصامت وأبو أيوب الأنصاري وأبو ذر وشداد بن أوس. فخرجوا حتى قطعوا أرض مصر ووطئوا أرض إفريقية وكانوا في جيش كثير عدتهم عشرة آلاف من شجعان المسلمين فصالحهم أهلها على مال يؤدونه ولم يقدموا على دخول إفريقية والتوغل فيها لكثرة أهلها. فقال عمر: لكن الرسول رسول المسلمين والبريد بريدهم والمسلمون عظموها في صدرها فأمر بردها إلى بيت المال وأعطاها بقدر نفقتها. وكان هاشم بن عتبة بن أبي وقاص حاضرًا فقال: إنكما لصاحبا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينظر إليكما. وكان عبد الله من جند مصر وكان قد أمره عثمان بغزو إفريقية سنة خمس وعشرين وقال له عثمان: إن فتح الله عليك فلك من الفيء خمس الخمس نفلًا.
فلما خرج أخرج ثقله من قصره على أربعين بغلًا فتعلقوا بعنانة وقالوا: احملنا على بعض هذه الفضول وارغب في المشي كما رغبتنا. وقد تقدم ذكر الفتوح التي ذكر بعض العلماء أنها كانت زمن عثمان وذكرت الخلاف هنالك. فرد عليهم ما عرفوا من أموالهم بعد إقامة البينة. فرفع سعدٌ يده ليدعو على ابن مسعود وكان فيه حدة فقال: اللهم رب السموات والأرض.