وهي اللفتة الأولى إلى مصدر التكليف بهذه الدعوة, وينبوع حقيقتها.. إنها من الله. يشربون من عين في الجنة تسمى سلسبيلا لسلامة شرابها وسهولة مساغه وطيبه. تفسير سورة الانسان - ٢٩. ويخرج من هذه الآيات الثلاث القصار بذلك الرصيد من التأملات الرفيقة العميقة, كما يخرج منها مثقل الظهر بالتبعة والجد والوقار في تصور هذه الحياة, وفي الشعور بما وراءها من نتائج الابتلاء! وربما كانت هذه إشارة إلى تكون النطفة من خلية الذكر وبويضة الأنثى بعد التلقيح.
تفسير سورة سان
عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق, وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا. وكل ما عدا هذا المصدر لا يتلقى عنه, ولا يستمد منه, ولا يستعار لهذه العقيده منه شيء, ولا يخلط بها منه شيء.. ثم إن الله الذي نزل هذا القرآن وكلف بهذه الدعوة لن يتركها. نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا. فأما الأبرار عباد الله فكانوا واحة ظليلة في هذه الهاجرة الشحيحة.
كي لا ينضم إليها مؤمنون جدد. واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا, ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا).. ثم تذكيرهم باليوم الثقيل الذي لا يحسبون حسابه; والذي يخافه الأبرار ويتقونه, والتلويح لهم بهوان أمرهم على الله, الذي خلقهم ومنحهم ما هم فيه من القوة, وهو قادر على الذهاب بهم, والإتيان بقوم آخرين; لولا تفضله عليهم بالبقاء, لتمضي مشيئة الابتلاء. يتلو ذلك التهوين من أمرهم عند الله الذي أعطاهم ما هم فيه من قوة وبأس, وهو قادر على الذهاب بهم وتبديل غيرهم منهم. إنا نخاف من ربنا يوما شديدا تعبس فيه الوجوه, وتتقطب الجبال من فظاعة أمره وشدة هوله. ووسائل الباطل هي ذاتها وسائله. ومن ثم وهب الاستعداد للتلقي والاستجابة, والمعرفة والاختبار.. وكان كل شيء في خلقه وتزويده بالمدارك وابتلائه في الحياة.. بمقدار! فأما امتداد هذا الإنسان بعد ذلك وبقاؤه فكانت له قصة أخرى: (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا).. والأمشاج:الأخلاط. وهو يعدل هذه المناعم كلها, ويمنحها قيمة أخرى فوق قيمتها.. تفسير سورة الانسان مكتوبة. وهكذا ينتهي ذلك العرض المفصل والهتاف الموحي للقلوب, الهتاف إلى ذلك النعيم الطيب والفرار من السلاسل والأغلال والسعير.. وهما طريقان. ثقيلا بوزنه في ميزان الحقيقة.. إن هؤلاء لا يطاعون في شيء ولا يتبعون في طريق; ولا يلتقون مع المؤمنين في هدف ولا غاية, ولا يؤبه لما هم فيه من هذه العاجلة, من ثراء وسلطان ومتاع, فإنما هي العاجلة, وإنما هو المتاع القليل, وإنما هم الصغار الزهيدون! نحن خلقناهم, وأحكمنا خلقهم, وإذا شئنا أهلكناهم, وجئنا بأطوع لله منهم. ويلوح لهم في الختام بعاقبة هذا الابتلاء: إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا. فمنع الناس عن الانضمام إلى راية العقيدة قد يكون أيسر من فتنة الذين عرفوا حقيقتها وذاقوها!
سورة الانسان تفسير
إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ↓. ثم يمضي بعد ذلك في وصف مناعم الجنة التي وجدوها: (وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا).. جنة يسكنونها وحريرا يلبسونه. فهو في فترة امتحان يقضيها على الأرض, لا في فترة لعب ولهو وإهمال! Stream إنه القرآن | Listen to تفسير وتدبر سورة الإنسان | الشيخ عمرو الشرقاوي playlist online for free on. يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ↓. وتركه يختار.. الشكر هو الخاطر الأول الذي يرد على القلب المؤمن في هذه المناسبة. فهم يختارون العاجلة, ويذرون اليوم الثقيل الذي ينتظرهم هناك بالسلاسل والأغلال والسعير, بعد الحساب العسير! فلا سبيل إلى التعاون بين حقها وباطلهم, أو الالتقاء في منتصف الطريق بين القائم على الحق والقائمين على الباطل.
متكئين فيها على الأسرة المزينة بفاخر الثياب والستور, لا يرون فيها حر شمس ولا شدة برد, وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا ↓. وهو يمهل الباطل, ويملي للشر, ويطيل أمد المحنة على المؤمنين والابتلاء والتمحيص.. كل أولئك لحكمة يعلمها, يجري بها قدره, وينفذ بها حكمه.. (فاصبر لحكم ربك).. تفسير سورة سان. حتى يجيء موعده المرسوم.. اصبر على الأذى والفتنة. SoundCloud wishes peace and safety for our community in Ukraine. هذا الشراب الذي مزج من الكافور هو عين يشرب منها عباد الله, يتصرفون فيها, ويجرونها حيث شاؤوا إجراء سهلا. ثم يعرف بهؤلاء الأبرار عباد الله الذين قسم لهم هذا المتاع: (يوفون بالنذر, ويخافون يوما كان شره مستطيرا, ويطعمون الطعام - على حبه - مسكينا ويتيما وأسيرا.
تفسير سورة الانسان مكتوبة
والله أعلم بخلقه ما يصلح لهم وما يصلح قلوبهم, وما يليق بهم كذلك وفق تكوينهم وشعورهم. وهو لم يكن يواجه في نفوسهم مجرد عقيدة. أي زوده بوسائل الإدراك, ليستطيع التلقي والاستجابة. تفسير سورة الإنسان. إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا. إنما كانت الملابسات التي تحيط بالعقيدة وبالموقف هي التي تقود إلى تلك المعارضة العنيدة, التي شهدت بها الروايات التاريخية, وحكاها القرآن في مواضع منه شتى.. كانت المكانة الاجتماعية, والاعتزاز بالقيم السائدة في البيئة, وما يتلبس. ويقال لهم, إن هذا أعد لكم مقابل أعمالكم الصالحة, وكان عملكم في الدنيا عند الله مرضيا مقبولا.
وهناك ما هو أعلى منه وأرق كالذي جاء في سورة القيامةوجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة).. والله أعلم بما يصلح للعباد في كل حال. يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً (9) إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10). وزوده بالقدرة على المعرفة. ومن ثم ينبغي للدعاة إلى دين الله في أي أرض وفي أي زمان أن يعيشوا طويلا في الحقيقة الكبيرة الكامنة في تلك الآيات, وملابسات نزولها على الرسول [ ص] فهي ملابسات معركة واحدة يخوضها كل صاحب دعوة إلى الله, في أي أرض وفي أي زمان! إنا خلقنا الإنسان من نطفة مختلطة من ماء الرجل وماء المرأة, نختبره بالتكاليف الشرعية فيما بعد, فجعناه من أجل ذلك ذا سمع وذا بصيرة ليسمع الآيات, ويرى الدلائل, إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ↓. إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا).. وهي صورة وضيئة شفافة لقلوب مخلصة جادة عازمة على الوفاء لله بتكاليف العقيدة, مع رحمة ندية بعباده الضعاف, وإيثار على النفس, وتحرج وخشية لله, ورغبة في رضاه, وإشفاق من عذابه تبعثه التقوى والجد في تصور الواجب الثقيل. وأنه مزود بالمعرفة فمحاسب عليها. إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا. ومن ثم كان ذلك التصوير الكريم لذلك الشعور الكريم. وهو هناك, حيث يلتقي العبد بربه في خلوة وفي نجاء, وفي تطلع وفي أنس, تفيض منه الراحة على التعب والضنى, وتفيض منه القوة على الضعف والقلة.
تفسير سورة الإنسان
إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا ↓. عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا).. وهذه العبارة تفيد أن شراب الأبرار في الجنة ممزوج بالكافور, يشربونه في كأس تغترف من عين تفجر لهم تفجيرا, في كثرة ووفرة.. وقد كان العرب يمزجون كؤوس الخمر بالكافور حينا وبالزنجبيل حينا زيادة في التلذذ بها, فهاهم أولاء يعلمون أن في الجنة شرابا طهورا ممزوجا بالكافور, على وفر وسعة. ويخافون يوما كان شره مستطيرا).. فهم يدركون صفة هذا اليوم, الذي يتفشى شره ويصيب الكثيرين من المقصرين والمسيئين. بما يقرره من غفلتهم عن رؤية الخير لأنفسهم, ومن تفاهة اهتماماتهم, وصغر تصوراتهم.. يقول: (إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا).. إن هؤلاء, القريبي المطامح والاهتمامات, الصغار المطالب والتصورات.. هؤلاء الصغار الزهيدين الذين يستغرقون في العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا. حقيقة ينبغي أن يعيش فيها الدعاة إلى الله طويلا, وأن يتعمقوها تعمقا كاملا, وأن ينظروا بتدبر في مدلولاتها الواقعية والنفسية والإيمانية الكبيرة. فتفي بشطري التربية التي يقصد إليها هذا الدين. فيعرضون عليه مناصب الرياسة فيهم والثراء, حتى يكون أغنى من أغناهم, كما يعرضون عليه الحسان الفاتنات, حيث كان عتبة بن ربيعة يقول له:" ارجع عن هذا الأمر حتى أزوجك ابنتي, فإني من أجمل قريش بنات! ومن ثم جعله سميعا بصيرا.
فلم يدع نبيه [ ص] بلا عون أو مدد. وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا ↓. نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلا ↓. فأما مستوى هذا الشراب فمفهوم أنه أحلى من شراب الدنيا, وأن لذة الشعور به تتضاعف وترقى, ونحن لا نملك في هذه الأرض أن نحدد مستوى ولا نوعا للذة المتاع هناك. يعلم الله أن الناس لا يملكون سواها لتصور هذا الغيب المحجوب. وواحدة منها تتجه إلى اللحظة التي انبثق فيها هذا الوجود الإنساني. تعريف بسورة الإنسان. وهي إيحاءات رفيقة وعميقة تثير في النفس تأملات شتى: واحدة منها تتجه بالنفس إلى ما قبل خلق الإنسان ووجوده ابتداء. والحقيقة التي ينبغي أن يعيش فيها أصحاب الدعوة إلى الله هي هذه الحقيقة التي لقنها الله لصاحب الدعوة الأولى [ ص] هي أن التكليف بهذه الدعوة تنزل من عند الله. عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا ↓. فلا شمس تلهب النسائم, ولا زمهرير وهو البرد القارس! البحث الصوتي مدعوم من. ولن يترك الداعي إليها, وهو كلفه, وهو نزل القرآن عليه. هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً (2).
لهذا رجحنا الروايات الأخرى القائلة بمكيتها. هو الذي يعيش فيه الأبرار المقربون عباد الله هؤلاء, على وجه الإجمال والعموم! لقد تلقى رسول الله [ ص] التكليف من ربه لينذر, وقيل لهيا أيها المدثر. ومن ثم يأخذ في عرض ما ينتظر الإنسان بعد الابتلاء, واختياره طريق الشكر أو طريق الكفران.
فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا. ثم يسارع السياق إلى رخاء النعيم: من الاية 7 الى الاية 10. ثم يتلقون عليه الود والتكريم: (إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا).. يتلقون هذا النطق من الملأ الأعلى. المحسوب دورها في خط هذا الكون الطويل! إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا).. فهي الرحمة الفائضة من القلوب الرقيقة الرفيقة, تتجه إلى الله تطلب رضاه. والتعبير يسميهم في الآية الأولى(الأبرار)ويسميهم في الآية الثانية (عباد الله).. إيناسا وتكريما وإعلانا للفضل تارة, وللقرب من الله تارة, في معرض النعيم والتكريم. تعرض جزاء هؤلاء الخائفين الوجلين المطعمين المؤثرين. ومن الليل فاخضع لربك, وصل له, وتهجد له زمنا طويلا من الليل. وهذه الآيات تتضمن حقيقة هذا العون والمدد والتوجيه: (إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا).
ثم هم يعرضون المصالحة, وقسمة البلد بلدين, والإلتقاء في منتصف الطريق.. وهو عرض يصعب رده ورفضه في مثل تلك الظروف العصيبة! ثم نظرة إلى الأمام, ثم التحرج والتدبر عند اختيار الطريق.. بعد هذه اللمسات الثلاث تأخذ السورة في الهتاف للإنسان وهو على مفرق الطريق لتحذيره من طريق النار.. وترغيبه في طريق الجنة, بكل صور الترغيب, وبكلهواتف الراحة والمتاع والنعيم والتكريم: إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا. وأثابهم بصبرهم في الدنيا على الطاعة جنة عظيمة يأكلون منها ما شاؤوا, ويلبسون فيها الحرير الناعم, مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا ↓. واتجاه إلى الله بالعمل, يحكيه السياق من حالهم, ومن منطوق قلوبهم. إنها إيحاءات كثيرة تنبض من وراء صيغة الاستفهام في هذا المقام. يدعونك إلى شيء من الإثم والكفر إذن حين يدعونك إلى الالتقاء بهم في منتصف الطريق! والسورة في مجموعها هتاف رخي ندي إلى الطاعة, والالتجاء إلى الله, وابتغاء رضاه, وتذكر نعمته, والإحساس بفضله, واتقاء عذابه, واليقظة لابتلائه, وإدراك حكمته في الخلق والإنعام والابتلاء والإملاء.. وهي تبدأ بلمسة رفيقة للقلب البشري:أين كان قبل أن يكون?