ويجيء الحق بكلمة { هَزَمُوهُمْ} وهي تدل على فرار من كان يجب أن يكون مهاجما. وعن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إن اللّه ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة أهل بيت جيرانه البلاء)، ثم قرأ ابن عمر: { ولولا دفع اللّه الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض} ""أخرجه ابن جرير وقال ابن كثير: إسناده ضعيف""وعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (الأبدال في أمتي ثلاثون: بهم ترزقون وبهم تمطرون وبهم تنصورن) ""أخرجه ابن مردويه عن عبادة بن الصامت مرفوعا"" قال قتادة: إني لأرجو أن يكون الحسن منهم. 1 فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله. فأخذهن داود وألقاهن في مخلاته, فلما ألقاهن سمع حجرا منهن يقول لصاحبه: أنا حجر هارون الذي قتل بي ملك كذا وكذا; وقال الثاني: أنا حجر موسى الذي قتل بي ملك كذا وكذا; وقال الثالث: أنا حجر داود الذي أقتل جالوت, فقال الحجران: يا حجر داود نحن أعوان لك, فصرن حجرا واحدا; وقال الحجر: يا داود اقذف بي فإني سأستعين بالريح, وكانت بيضته فيما يقولون والله أعلم فيها ستمائة رطل, فأقع في رأس جالوت فأقتله.
فلما أن جاء داود جاء غلام أمعر, فدهنه بدهن القدس, وقال لأبيه: اكتم هذا, فإن طالوت لو يطلع عليه قتله; فسار جالوت في قومه إلى بني إسرائيل, فعسكر وسار طالوت ببني إسرائيل وعسكر, وتهيئوا للقتال, فأرسل جالوت إلى طالوت: لم تقتل قومي وأقتل قومك ؟ ابرز لي أو أبرز لي من شئت, فإن قتلتك كان الملك لي, وإن قتلتني كان الملك لك! قال مكي: هذا وهم توهم فيه باب المفاعلة وليس به، واسم "الله" في موضع رفع بالفعل، أي لولا أن يدفع الله. ثُمَّ قَالَ لِطَالُوت: أَعْطِنِي مَا وَعَدْتنِي! ثُمَّ انْهَزَمَ جُنْده, وَقَالَ النَّاس: قَتَلَ دَاوُد جَالُوت, وَخَلَعَ طَالُوت. فتبين إذا أن سواء قراءة من قرأ: { ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض} وقراءة من قرأ: " ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض " في التأويل والمعنى. بين سبحانه أن دفعه بالمؤمنين شر الكافرين فضل منه ونعمة. فانطلق حتى أتى إيشا, فقال: اعرض علي بنيك!
واختلف فيه عن الأوزاعي فحكي عنه أنه قال: لا يحمل أحد إلا بإذن إمامه. كان هؤلاء القوم مسلمون، يريدون أن يجاهدوا (في سبيل الله).. كان لديهم ذلك الدافع الديني للقتال، ومعه دافع آخر، وهو الظلم الذي وقع عليهم (وقد أخرجنا من ديارنا وأبناءنا). قَالَ ابْن جُرَيْجٍ: قَالَ مُجَاهِد: كَانَ بُعِثَ أَبُو دَاوُد مَعَ دَاوُد بِشَيْءٍ إلَى إخْوَته, فَأَخَذَ مِخْلَاة فَجَعَلَ فِيهَا ثَلَاث مَرْوَات, ثُمَّ سَمَّاهُنَّ إبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب. فجاءوا الملك فأخبروه, فأرسل إلى ابنته فقال: ما حملك على أن تكذبيني ؟ قالت: هو أمرني بذلك, وخفت إن لم أفعل أمره أن يقتلني. فأتي بداود إلى طالوت, فقاضاه إن قتله أن ينكحه ابنته وأن يحكمه في ماله. فأوحى الله إليه: إن عينيك تبصران ما ظهر, وإني أطلع على ما في القلوب ليس بهذا, اعرض علي غيره, فعرض عليه ستة في كل ذلك يقول: ليس بهذا, فقال: هل لك من ولد غيرهم ؟ فقال: بني لي غلام وهو راع في الغنم. إنه طريق القتال الذي يضعك أمام حقيقتك وواقعك تماما، ويكشف كل زيفك وادعاءاتك ومزاعمك التي تزعمها حال الأمن والعافية.. ظهرت النفوس التي لم تتعود المجاهدة (فشربوا منه إلا قليلا) وكانت هذه هي الغربلة الثانية.. غربلة الثبات على الأمر الشرعي الذي احتفّت به بعض المشاق، أو تُركت لأجله بعض الشهوات. فَقَالَ طَالُوت: مَنْ يَبْرُز لَهُ, وَإِلَّا بَرَزْت لَهُ. فَقَالَ دَاوُد لِإِخْوَتِهِ: مَا مِنْكُمْ رَجُل يَبْرُز لِجَالُوت فَيَقْتُلهُ, وَيَنْكِح ابْنَة الْمَلِك ؟ فَقَالُوا: إنَّك غُلَام أَحْمَق, وَمَنْ يُطِيق جَالُوت وَهُوَ مِنْ بَقِيَّة الْجَبَّارِينَ ؟ فَلَمَّا لَمْ يَرَهُمْ رَغِبُوا فِي ذَلِك, قَالَ: فَأَنَا أَذْهَب فَأَقْتُلهُ! فانتهروه وغضبوا عليه. فَأَتَى النَّبِيّ بِقَرْنٍ فِيهِ دُهْن وَبِثَوْبٍ مَنْ حَدِيد, فَبَعَثَ بِهِ إلَى طَالُوت, فَقَالَ: إنَّ صَاحِبكُمْ الَّذِي يَقْتُل جَالُوت يُوضَع هَذَا الْقَرْن عَلَى رَأْسه فَيَغْلِي حَتَّى يَدْهُن مِنْهُ وَلَا يَسِيل عَلَى وَجْهه, يَكُون عَلَى رَأْسه كَهَيْئَةِ الْإِكْلِيل, وَيَدْخُل فِي هَذَا الثَّوْب فَيَمْلَؤُهُ. فَقَامَ دَاوُد فَقَالَ: أَنَا فَقَامَ لَهُ طَالُوت فَشَدَّ عَلَيْهِ دِرْعه, فَجَعَلَ يَرَاهُ يَشْخَص فِيهَا وَيَرْتَفِع.
حدثنا منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لولا فيكم رجال خشع وبهائم رتع وصبيان رضع لصب العذاب على المؤمنين صبا). فَخَرَجَ إلَيْهِ بِالْمِقْلَاعِ وَبِمِخْلَاةٍ فِيهَا أَحْجَار, ثُمَّ بَرَزَ لَهُ, قَالَ لَهُ جَالُوت: أَنْت تُقَاتِلنِي ؟ قَالَ دَاوُد: نَعَمْ. قَالَ: وَيْلك أَمَا تَخْرَج إلَيَّ إلَّا كَمَا يُخْرَج إلَى الْكَلْب بِالْمِقْلَاعِ وَالْحِجَارَة ؟ لَأُبَدِّدَنَّ لَحْمك, وَلَأُطْعِمَنَّه الْيَوْم الطَّيْر وَالسِّبَاع! وَمَعْنَى قَوْله: { فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّه} قَتَلُوهُمْ بِقَضَاءِ اللَّه وَقَدَره, يُقَال مِنْهُ: هَزَمَ الْقَوْم الْجَيْش هَزِيمَة وهزيمي.
فلما أصبح أرسل طالوت من يدعو له داود, وقد صنعت امرأته على فراشه كهيئة النائم ولحفته. فدعا طالوت بني إسرائيل فجربهم, فلم يوافقه منهم أحد. فَأَوْحَى اللَّه إلَى أشمويل: أَلَّا تَعْجَب مَنْ طَالُوت إذْ أَمَرْته فَاخْتَانَ فِيهِ, فَجَاءَ بِمَلِكِهِمْ أَسِيرًا, وَسَاقَ مَوَاشِيهمْ, فَالْقَهُ فَقُلْ لَهُ: لَأَنْزِعَنَّ الْمُلْك مَنْ بَيْته, ثُمَّ لَا يَعُود فِيهِ إلَى يَوْم الْقِيَامَة, فَإِنِّي إنَّمَا أُكْرِم مَنْ أَطَاعَنِي, وَأُهِين مَنْ هَانَ عَلَيْهِ أَمْرِي! فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا بُنَيّ, فَإِنَّ اللَّه قَدْ جَعَلَ رِزْقك فِي قَذَّافَتك!
ولكنه ترك ذكر ذلك اكتفاء بدلالة قوله: { فهزموهم بإذن الله} على أن الله قد أجاب دعاءهم الذي دعوه به. وذلك أن معنى الكلام: ولما برزوا لجالوت وجنوده, قالوا: ربنا أفرغ علينا صبرا, وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين! وَأَكْثَرَ النَّاس ذِكْر دَاوُد, وَزَادَهُ عِنْد النَّاس عَجَبًا, فَقَالَ طَالُوت لَابْنه: لَتَقْتُلَنّ دَاوُد! فَلَمَّا لَبِسَهُ دَاوُد تَضَايَقَ الثَّوْب عَلَيْهِ حَتَّى تَنَقَّضَ. أحمد ديدات وقتل داوود جالوت. وحكى مكي أن أكثر المفسرين على أن المعنى: لولا أن الله يدفع بمن يصلي عمن لا يصلي وبمن يتقي عمن لا يتقي لأهلك الناس بذنوبهم؛ وكذا ذكر النحاس والثعلبي أيضا. تفسير سورة البقرة الشيخ متولي الشعراوي 252 قصة سيدنا داود و ق ت ل د او ود ج ال وت. ثم إنه ركب يوما فوجده يمشي في البرية وطالوت على فرس, فقال طالوت: اليوم أقتل داود! قَالَ: لَا جَرَم إنِّي سَوْف أُقَسِّم لَحْمك بَيْن طَيْر السَّمَاء وَسِبَاع الْأَرْض. واحتجت لاختيارها ذلك بأن كثيرا من خلقه يعادون أهل دين الله, وولايته والمؤمنين به, فهو بمحاربتهم إياهم ومعاداتهم لهم لله مدافعون بباطلهم, ومغالبون بجهلهم, والله مدافعهم عن أوليائه وأهل طاعته والإيمان به.
فوضع داود حجرا في مقلاعه, ثم دوره فأرسله نحو جالوت, فأصاب أنف البيضة التي على جالوت حتى خالط دماغه, فوقع من فرسه, فمضى داود إليه, فقطع رأسه بسيفه, فأقبل به في مخلاته, وبسلبه يجره, حتى ألقاه بين يدي طالوت, ففرحوا فرحا شديدا, وانصرف طالوت. فهزموهم بإذن الله وقتل داوود جالوت الشيخ علي جابر. ثم انهزم جنده, وقال الناس: قتل داود جالوت, وخلع طالوت. فَرَجَعُوا إلَى طَالُوت فَأَخْبَرُوهُ ذَلِك, فَمَكَثَ سَاعَة ثُمَّ أَرْسَلَ إلَيْهِ, فَقَالَتْ: هُوَ نَائِم لَمْ يَسْتَيْقِظ بَعْد. وأكثر الناس ذكر داود, وزاده عند الناس عجبا, فقال طالوت لابنه: لتقتلن داود! فَوَضَعَ دَاوُد حَجَرًا فِي مِقْلَاعه, ثُمَّ دُوره فَأَرْسَلَهُ نَحْو جَالُوت, فَأَصَابَ أَنْف الْبَيْضَة الَّتِي عَلَى جَالُوت حَتَّى خَالَطَ دِمَاغه, فَوَقَعَ مَنْ فَرَسه, فَمَضَى دَاوُد إلَيْهِ, فَقُطْع رَأَسَهُ بِسَيْفِهِ, فَأَقْبَلَ بِهِ فِي مِخْلَاته, وَبِسَلَبِهِ يَجُرّهُ, حَتَّى أَلْقَاهُ بَيْن يَدَيْ طَالُوت, فَفَرِحُوا فَرَحًا شَدِيدًا, وَانْصَرَفَ طَالُوت. ثم أتاه مرة أخرى قال: يا أبتاه لقد دخلت بين الجبال, فوجدت أسدا رابضا, فركبت عليه, فأخذت بأذنيه, فلم يهجني. 4483 - حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثني ابن زيد في قول الله تعالى ذكره: { ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل} فقرأ حتى بلغ: { فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين} قال: أوحى الله إلى نبيهم إن في ولد فلان رجلا يقتل الله به جالوت, ومن علامته هذا القرن تضعه على رأسه, فيفيض ماء. فهزموهم بإذن الله وقتل داوود جالوت) لقد حضر داوود المعركة.. مما يعني أنه نجح في كل الاختبارات السابقة.. فهو لم يتول عن القتال كحال غالب الجموع.. ولم يشرب من النهر كشأن الأكثرية الهشة.. ولم تخدعه القوة المادية للعدو كشأن الذين قالوا (لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده). قال طالوت: الذئب ضعيف، هل جربت نفسك في غيره ؟ قال: نعم، دخل الأسد في غنمي فضربته ثم أخذت بلحييه فشققتهما؛ أفترى هذا أشد من الأسد ؟ قال لا؛ وكان عند طالوت درع لا تستوي إلا على من يقتل جالوت، فأخبره بها وألقاها عليه فاستوت؛ فقال طالوت: فاركب فرسي وخذ سلاحي ففعل؛ فلما مشى قليلا رجع فقال الناس: جبن الفتى فقال داود: إن الله إن لم يقتله لي ويعني عليه لم ينفعني هذا الفرس ولا هذا السلاح، ولكني أحب أن أقاتله على عادتي. فَجَاءَ إلَى إخْوَته, وَسَمِعَ صَوْتًا: إنَّ الْمَلِك يَقُول: مَنْ يَبْرُز لِجَالُوت فَإِنَّ قَتَلَهُ أَنْكَحَهُ الْمَلِك ابْنَته.